“أمريكا ترامب” والوشاية الإعلامية لصد منافسة المغرب في تنظيم المونديال
رغم أن خلط السياسة بالرياضة لا يستقيم بتاتا في عقل سوي، ولا يسعى لفعله العاقلون، ولم يعد مجديا في عالمنا الحاضر، ولا تستحق التفاعل معها بالإيجاب أو السلب كقاعدة عامة، إلا أن بعض المواقف أحيانا تستدعي التوضيح والكشف عن المستور خصوصا عندما يتعلق الأمر باستغلال أدوات الإعلام لضرب قدرات دولة ما، وهذا بالضبط ما وقع قبل ثلاثة أيام في بلاد العم “سام”، عندما أوفدت “نيويورك تايمز”، إحدى أهم الأذرعة الإعلامية الأمريكية الرسمية، صحفيا يشتغل بالرياضة، لتغطية فعاليات بطولة كأس إفريقيا للاعبين المحليين “شان المغرب 2018″ التي تجرى حاليا، لكنه كان في الحقيقة جاء ليتصيد ويبحث عن السبل الممكنة وغير الممكنة للتنقيص من ملف ترشح المغرب لتنظيم كأس العالم 2026.
ورغم أنه في علم المؤكد بأن العلاقات المغربية-الأمريكية، أقوى من أن تتأثر بـ”مقال صحفي” في صحيفة أمريكية معروفة، جُمع فيه من الكذب والبهتان على ملف المغرب لاحتضان كأس عالم 2026، وأزبد وأرغد في الهجوم دون دليل يذكر، إلا أن واجب الرد على ما ورد في مقال الصحفي ذاك، لا يقبل الشك، خصوصا وأن الجميع اليوم في العالم يبكي مأساة انحدار الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب وقراراته، وانعكاسها السلبي الكبير وبلا شك على إمكانية قبول ملفها المشترك بين كندا والمكسيك لاحتضان العرس الكروي العالمي لعام 2026.
فاليوم، وفي عهد الرئيس دونالد ترامب على رأس الإدارة الأمريكية، الذي يحلو ربما لبعض معارضيه أن يصفوه بالأحمق أحيانا والمضطرب عقليا أحيانا أخرى، خصوصا بعد قرار إجراء فحص عقلي له بسبب تلعثمه في الخطابات الرسمية، تبدو أمريكا بعيدة كل البعد عن قبول ملفها الثلاثي لاحتضان كأس العالم 2026، خصوصا مع قرارات “ترامبها” التي ابتدأت بمنع مواطني ستة دول من ولوج أراضيها بدوافع عنصرية، وهو ما سيتعارض بلا شك مع مبدأ عالمية كرة القدم التي تسمح لكل شخص عبر العالم بالسفر لمشاهدة مباريات أقدم وأكثر الرياضات شعبيةُ على الإطلاق، ما عدا بلاد العم “سام” التي تحتل فيها رياضات أخرى مركز الصدارة لدرجة أنه في سنة 1994 لحظة تنظيم الأمريكان لكأس العالم وصفها المتتبعون والمختصون وحتى أبناء الدولة المنظمة بالضعيفة التي لم تحقق ما كان يرجى منها.
“أمريكا ترامب” وحدها قادرة على التمسك بالشيء و بنقيضه. فالرئيس الأمريكي عازم على بناء حائط كبير بين بلده و دولة المكسيك، في احتقار كبير و قاسي تجاه المواطنين المكسيكيين، و القبول بتنظيم تظاهرة رياضية عالمية مشتركة مع نفس الدولة. فأي منطق هذا؟
هذا دون إغفال قرار الانسحاب من اتفاقيات المناخ أيضا، التي بصم عليها ترامب كذلك بمجرد قدومه، وتطرح إشكالا عميقا في ملف أمريكا، إذ أن تنظيم عرس رياضي من حجم كأس العالم يطرح ضرورة انصهار الرياضة مع ما هو بيئي، الذي يصب في حماية مناخ هذه الكرة الأرضية التي تجمعنا جميعا، وإلا فإنه لا داعي للرياضة أن تنظم مادام المناخ لا يحترم.
طبعا لا يمكن الحديث كثيرا عن عنصرية ترامب الأخيرة تجاه السود وإفريقيا والتي انتفضت ضدها دول إفريقية والاتحاد الإفريقي والدول المتحضرة، فكيف يمكن إذن لكأس العالم أن ينظم في دولة تزدري البشر بحسب أجناسهم، وكيف يمكن لأمريكا بحجمها أن تتحمل عبء محاربة موجات العداء التي ستسببها تصريحات ترامب تلك، إذا ما هي نظمت كأس العالم، أم أنها ستقوم بمنع الأفارقة من ولوج أراضيها في كأس العالم؟!
يبدو أن الصحفي الذي كتب مقاله ذاك وضمنه من الأكاذيب أو تضخيم بعض الهفوات كعدم توفر ملف المغرب على موقع رسمي أو شعار لملفه أو ضعف بعض تجهيزاته، والتي يعتبر مردودا عليها، كون الملف مازال موضوع نقاش وسيتم تدارك ذلك بشكل احترافي لاحقا وبسرعة، ولا حتى صحيفته التي أوحي لها بتزميم داك المقال، ربما من الإدارة الأمريكية الحالية، للطعن بهذا الشكل الفج في ملف المغرب، لا تعي أن مغرب اليوم المنفتح اقتصاديا على كل بقاع العالم، والقوي بكفاءاته وحريته وأمنه الشديد واستقراره السياسي والاجتماعي، وشراكاته الاستراتيجية الفريدة من نوعها، لم يعد كمغرب أمس الذي كانت ملفاته أضعف من ملف اليوم، تماما كما كان تنظيم أمريكا لكأس العالم 1994 عاديا جدا ودون توقعات “الفيفا” والعالم حينها، وخصوصا عندما كانت تتوقع “الفيفا” أن تنهج أمريكا سياسة تشجيع تداول كرة القدم كرياضة شعبية أولى بعد نهاية كأس العالم، لكن ها هي اليوم وبعد 24 سنة مضت عن التنظيم ولا شيء تغير، حيث “البيزبول” و كرة السلة أكثر الرياضات شعبية في الولايات المتحدة الأمريكية، فهل بعد هذا الفشل من فشل آخر؟
ولنختم بما قالته صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” في تفاعلها مع ما يكتب ويحضر في هذا الموضوع: “إن حظوظ المغرب كبيرة، للظفر بشرف تنظيم كأس العالم 2026، نظراً لسياسات دونالد ترامب التي خلقت عدَاءً عالمياً للولايات المتحدة الأمريكية، التي تقدّمت بملف مشترك مع كل من كندا والمكسيك، لاحتضان المونديال، فالمغرب البلد الصغير في شمال إفريقيا، بعدد سكان يقارب سكان ولاية كاليفورنا، هو المنافس الوحيد على تنظيم كأس العالم سنة 2026، بمشاركة منتخبات 48 بلداً، في أكبر دوري في العالم”.
ونقلت” لوس أنجلوس تايمز” عن “الواشنطن بوسط”، أن دونالد ترامب “قدم هدية على طبق من ذهب للمغرب، بسبب تصريحاته وسياساته”.